~
~
~
~
وهو يجلس بالقرب من مقعد السائق في السيارة التي لا يمكن تمييز لونها ليلاً بالسهولة التي يتوقعها أعمى البصيرة قبل أعمى البصر، لم يكن يأبه بالوجوه والمشاهد التي يمر عليها، فهي بالنسبة له أشياء مقيتة لا تضيف أي قيمة وجودية لحاضره ومستقبله، وقد تعوّد على مصادفتها يومياً في طريقه إلى العمل الذي لم يقتنع هو نفسه يوماً بأنه (عمل) بالمعنى المتعارف عليه عند العامة وأهل اللغة، فتح نافذة السيارة التي كانت تسير على خط التجاوز، ولم يكلف نفسه بالنظر يميناً أو شمالاً قبل أن يخرج من فمه مادة (حمراء اللون) اعتاد على مضغها (24 ساعة) دون توقف، وقال: (ما زلت في مرحلة التجريب، ولم اقتنع بما أكتبه من شعر إلى الآن)، ومع أنني قمت بتنظيف أذني جيداً ذلك اليوم بعد عملية استحمام مطولة في (جاكوزي) على الطريقة العمانية، إلا أنه لم استطع أن استمع جيداً لمخارج حروفه التي أنهكا الدهر وربما (الهذر)، حيث أنني لم أتمكن من التقاط حرف (الجيم) كما ينبغي، وظننه يقصد (الخاء)، فاستحيت أن أقول له إن كان بإمكانه إعادة الجملة التي قالها، وفضّلت أن يكمل حديثه بالمعنى الذي يريده هو، وأنا أكمل أنا الإنصات له بتأويلين مهما كان اختلاف نسبة (من وراء القصد) فيهما، وتابع الحديث قائلاً: (هناك الكثير من الشعراء في الوقت الراهن يسلكون هذا الطريق دون وعي)، فبدأت أنا أرجّح أن الحرف الذي سقط من أذني هو (الخاء)، فأحسست بأمل أمل ضئيل يلوح في القاع البعيد، فلا يعترف بالخطأ في هذه الأيام إلا المنسلخ من عقدة (ريشة الطاووس الوهمية) العالقة فوق رأس الكثير ممن نتعامل معهم في شتى المجالات الحياتية.